حدثنى رجل فاضل عن قصه حقيقيه حدثت فى جزيرة العرب منذ مأية سنه تقريبا,
فقال:
كان هناك رجل يملك قطيع من الإبل وعنده عبد يرعى ويساعد , وقد توفيت زوج ذلك الرجل وكانت قد أنجبت له إبنه, وذات يوم نقص الطعام من تمر وإقط وخلافه فتوجه الرجل بإبله شطر إحدى القرى ليتزود بما يلزم ولما إقترب من تلكم القريه ترك الإبل
والراعى والبنيه وذهب ليتسوق , ومكث فى السوق ما شاء له الله ثم رجع الى حيثما ترك إبله فلم يجد أحدا لا إبل ولا راعى ولا الطفله, فجعل يبحث هنا وهناك وكان الوقت متأخرا فجن عليه الليل فجلس حيث إعتقد أن هذا آخر الأثر وقضى ليلته منهكا من التعب
وفى الصباح ومع أول الضوء إنطلق ولكن الآثار إختلطت مع غيرها بسبب القرب من القريه وكثرة الرواد للتزود بالحاجات.
جعل الرجل يجوب البلاد والقرى باحثا وسائلا عن إبله وقد كان خجلا ولا يأتى على ذكر ابنته ومرت سنين وهو على هذا الحال من الترحال والسؤال ولكن دون جدوى.
وذات ليله فكر فى ما آل إليه حاله وقد ضاع ماله وضاعت إبنته فقرر ان يبحث فى الأماكن التى لم يبحث فيها والتى قد لا تخطر على البال , فإما أن يموت أو أن يجد ضالته, إتجه الرجل الى الربع الخالى وقد أخذ منه الكبر والهم كل مأخذ , سار يحدوه الأمل ويعتصره الألم فلم يبق مكان إلا وبحث فيه إلا هذا المكان, وذات امسيه وجد شجرة شائكه وتحتها بعض الفروع الجافه فقرر أن يصنع لنفسه طعاما ويقضى ليلته, صنع قرص مله وتعشى باكرا وقد انهكه الجوع والتعب وتمدد على ظهره وجعل ينظر الى السماء تارة والى فروع الشجرة تارة أخرى,فبينما هو على هذا الحال واذا بغرابة تحط على الشجره فدقق النظر واذا بعش لها فى أعلى الشجره, فقال فى نفسه أنا غريب ووحيد مثل هذه الغرابه فيا ترى أهى مثلى؟.
وتذكر ما قد مر به, وفجأه لمعت فى ذهنه فكره, هذه الغرابه لها عش هنا فمن اين تاكل وتجد وبرا وقشا لتصنع منه عشا؟.
فلا بد أن هناك إبلا تأكل هذه الغرابة من قرادها وتصنع عشها من بعض الوبر, فقرر أن يتبع إتجاه طيرانها ومع الصباح الباكر جعل يرقب حتى طارت الغرابه وهوت جنوبا
حتى أختفت عن النظر فقرر أن يتجه الى الجنوب, سار الرجل حتى كان وقت العصر فرأى الغرابه تتجهه الى الشمال حيث الشجره فأدرك انه فى الإتجاه الصحيح فلربما وجد أبلا فى ذلك الإتجاه, اكمل الرجل سيره ثم قضى ليلته وفى الصباح إستأنف السير وبعد الظهيره لاحظ الرجل وجود (دمن) بعر إبل قديم فأستبشر خيرا فإما أن تكون ابله او أبل يجد عندها من يعينه او يدله فأكمل السير وهو يتفحص الأرض فلاحظ أثار ابل وبعض الدمن , جن عليه الليل فبات ليلته ممنيا النفس بما تشتهى وكله أمل أن يجد شيئا,
وفى الصباح وعلى ضوء النهار رأى كوخا من الحطب فاستتر بجانب صخره وجعل يرقب وعند إقتراب الغروب وجد إبلا قادمه فى إتجاه الكوخ فعرف منها ناقة أو إثنتين وعندها تيقن أنه قد عثر على أبله ولكن كيف السبيل؟ وقد أخذ منه الكبر والهم ما أخذ فلا بد من الحيله للوصول لما يريد, قضى ليلته بجانب الصخره وفى الصباح جعل يرقب واذا بالعبد يخرج من الخص ويسوق الأبل بعيدا ولما تيقن ان العبد قد توارى عن الأنظار اتجه الى الخص بحذر شديد واقترب من خلف الخص واصاخ السمع فإذا بإمرأه وطفلها فى الداخل فعرف انها إبنته فناداها وتعانقا وفهم القصه بدون أن تشرح له, وقال لها ساتوارى خلف الخص وعندما يعود العبد اقرصى الطفل بشده واجعليه يبكى وعندما يسألك ما الذى يبكيه قولى له إنه يريد حليبا والناقه سيئة الطبع( شموص) وعنده سيقوم بالحلب وانا سأتولى الباقى سارت الخطه كما ارادوا وقام العبد ليحلب ولدى إنشغاله بالحلب من الناقه أهوى عليه بالسيف فقطع ساقه فهوى الى الأرض ثم أحهز عليه وفى الصباح جمع إبله وقد زادت واخذ ابنته وولدها وقفلوا الى ديارهم.